فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {ونادى أَصْحَابُ الجنة}
هذا سؤال تقريع وتعيير.
{أَن قَدْ وَجَدْنَا} مثل {أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ} أي أنه قد وجدنا.
وقيل: هو نفس النداء.
{فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ} أي نادى وصوّت؛ يعني من الملائكة.
{بَيْنَهُمْ} ظرف؛ كما تقول: أعْلَم وسطهم.
وقرأ الأعمش والكِسائي {نَعِم} بكسر العين.
وتجوز على هذه اللغة بإسكان العين.
قال مكيّ: من قال: {نعِم} بكسر العين أراد أن يفرق بين {نَعَم} التي هي جواب وبين {نعم} التي هي اسم للإبل والبقر والغنم.
وقد روي عن عمر إنكار {نعَم} بفتح العين في الجواب، وقال: قل نَعِم.
ونَعَم ونَعِم، لغتان بمعنى العِدَة والتصديق.
فالعدة إذا استفهمت عن موجب نحو قولك: أيقوم زيد؟ فيقول نعم.
والتصديق إذا أخبرت عما وقع، تقول: قد كان كذا وكذا، فيقول نعم.
فإذا استفهمت عن منفيّ فالجواب بلى نحو قولك ألم أكرمك، فيقول بلى.
فنعم، لجواب الاستفهام الداخل على الإيجاب كما في هذه الآية.
وبلى، لجواب الاستفهام الداخل على النفي؛ كما قال تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى} [الأعراف: 172].
وقرأ البَزِّي وابن عامر وحمزة والكِسائيّ {أنّ لعنة الله} وهو الأصل.
وقرأ الباقون بتخفيف {أن} ورفع اللعنة على الابتداء.
ف {أن} في موضع نصب على القراءتين على إسقاط الخافض.
ويجوز في المخففة ألا يكون لها موضع من الإعراب.
وتكون مفسرة كما تقدّم.
وحكي عن الأعمش أنه قرأ {إن لعنة الله} بكسر الهمزة؛ فهذا على إضمار القول كما قرأ الكوفيون {فَنَادَاهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمحرَابِ إنَّ الله} ويُروى أن طاووسًا دخل على هشام بن عبد الملك فقال له: اتق الله واحذر يوم الأذان.
فقال: وما يوم الأذان؟ قال: قوله تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} فصعِق هشام.
فقال طاووس: هذا ذُلُّ الصِّفة فكيف ذل المعاينة. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار} يعني ونادى أهل الجنة أهل النار وهذا النداء إنما يكون بعد استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار تقول أهل الجنة يا أهل النار {أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا} يعني ما وعدنا في الدنيا على ألسنة رسله من الثواب على الإيمان به وبرسله وطاعته حقًا {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا} يعني من العذاب على الكفر {قالوا نعم} يعني قال أهل النار مجيبين لأهل الجنة نعم وجدنا ذلك حقًا.
فإن قلت: هذا النداء من كل أهل الجنة لكل أهل النار أو من البعض للبعض؟
قلت: ظاهر قوله ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار يفيد العموم والجمع إذا قابل الجمع يوزع الفرد على الفرد فكل فريق من أهل الجنة ينادي من كان يعرفه من الكفار في دار الدنيا.
فإن قلت: إذا كانت الجنة في السماء والنار في الأرض فكيف يمكن أن يبلغ هذا النداء أو كيف يصح أن يقع.
قلت: إن الله تعالى قادر على أن يقوي الأصوات والأسماء فيصير البعيد كالقريب.
وقوله تعالى: {فأذن مؤذن بينهم} يعني نادى مناد وأعلم لأن أصل الأذان في اللغة الإعلام.
والمعنى نادى مناد أسمع الفريقين وهذا المنادي من الملائكة وقيل إنه إسرافيل صاحب الصور ذكره للواحدي {أن لعنة الله على الظالمين} يعني يقول المؤذن إن لعنة الله على الظالمين ثم فسر الظالمين من هم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا قالوا نعم}.
عبر بالماضي عن المستقبل لتحقّق وقوعه وهذا النداء فيه تقريع وتوبيخ وتوقيف على مآل الفريقين وزيادة في كرب أهل النار بأن شرفوا عليهم وبخلق إدراك أهل النار لذلك النداء في أسماعهم، قال الزمخشري: وإنما قالوا لهم ذلك اغتباطًا بحالهم وشماتة بأهل النار وزيادة في غمّهم وليكون حكايته لطفًا لمن سمعها وكذلك قول المؤذّن بينهم أن لعنة الله على الظالمين وهو ملك يأمره الله تعالى فينادي بينهم يسمع أهل الجنة وأهل النار وأتى في إخبار أهل الجنة {ما وعدنا} بذكر المفعول وفي قصة أهل النار ما وعد ولم يذكر مفعول {وعد} لأنّ أهل الجنة مستبشرون بحصول موعودهم فذكروا ما وعدهم الله مضافًا إليهم ولم يذكروا حين سألوا أهل الجنة متعلق {وعد} باسم الخطاب فيقولوا: {ما وعدكم} ليشمل كل موعود من عذاب أهل النار ونعيم أهل الجنة وتكون إجابتهم بنعم تصديقًا لجميع ما وعد الله بوقوعه في الآخرة للصفين ويكون ذلك اعترافًا منهم بحصول موعود المؤمنين ليتحسّروا على ما فاتهم من نعيمهم إذ نعيم أهل الجنة مما يخزيهم ويزيد في عذابهم ويحتمل أن يكون حذف المفعول الذي للخطاب لدلالة ما قبله عليه وتقديره {فهل وجدتم ما وعد ربكم}، وقرأ ابن وثاب والأعمش والكسائي {نعم} بكسر العين، ويحتمل أن تكون تفسيريّة وأن تكون مصدرية مخففة من أن الثقيلة وإذا ولى المخففة فعل متصرف غير دعاء فصل بينهما بقد في الأجود كقوله: {أن قَد وجدنا}.
{فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجًا وهم بالآخرة كافرون} أي فأعلم معلم، قيل: هو إسرافيل صاحب الصور، وقيل: جبريل يسمع الفريقين تفريحًا وتبريحًا، وقيل: ملك غيره معين ودخل طاووس على هشام بن عبد الملك فقال له: إحذر يوم الأذان فقال: وما يوم الأذان قال: يوم {فأذن مؤذن} الآية فصعق هشام فقال طاووس هذا ذلّ الصفة فكيف ذلّ المعاينة وبينهم يحتمل أن يكون معمولًا لأذّن ويحتمل أن يكون صفة لمؤذن فالعامل فيه محذوف، وقرأ الأخوان وابن عامر والبزي {أن لعنة الله} بتثقيل {أنّ} ونصب {لعنة} وعصمة عن الأعمش إنّ بكسر الهمزة والتثقيل ونصب {لعنة} على إضمار القول أو إجراء أذن مجرى قال، وقرأ باقى السبعة أن يفتح الهمزة خفيفة النون ورفع {لعنة} على الابتداء وأن مخففة من الثقيلة أو مفسرة. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَنَادَى أصحاب الجنة}
بعد الاستقرار فيها كما هو الظاهر، وصيغة الماضي لتحقق الوقوع، والمعنى ينادي ولابد كل فريق من أهل الجنة {أصحاب النار} أي من كان يعرفه في الدنيا من أهلها تبجحًا بحالهم وشماتة بأعدائهم وتحسيرًا لهم لا لمجرد الإخبار والاستخبار {أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا} على ألسنة رسله عليهم السلام من النعيم والكرامة {حَقًّا} حيث نلنا ذلك {فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ} أي ما وعدكم من الخزي والهوان والعذاب {حَقًّا} وحذف المفعول تخفيفًا وإيجازًا واستغناء بالأول، وقيل: لأن ما ساءهم من الوعود لم يكن بأسره مخصوصًا بهم وعده كالبعث والحساب ونعيم أهل الجنة فإنهم قد وجدوا جميع ذلك حقًا وإن لم يكن وعده مخصوصًا بهم.
وتعقب بأنه لا خفاء في كون أصحاب الجنة مصدقين بالكل والكل مما يسرهم فكان ينبغي أن يطلق وعدهم أيضًا؛ فالوجه الحمل على ما تقدم، ونصب {حَقًّا} في الموضعين على الحالية، وجوز أن يكون على أنه مفعول ثان ويكون وجد بمعنى علم، والتعبير بالوعد قيل: للمشاكلة، وقيل: للتهكم.
ومن الناس من جوز أن يكون مفعول وعد المحذوف ن وحينئذٍ فلا مشاكلة ولا تهكم.
وأيًا ما كان لا يستبعد هذا النداء هناك وأن بعد ما بين الجنة والنار من المسافة كما لا يخفى.
{قَالُواْ} في جواب أصحاب الجنة {نِعْمَ} قد وجدنا ذلك حقًا.
وقرأ الكسائي {نِعْمَ} بكسر العين وهي لغة فيه نسبت إلى كنانة وهذيل ولا عبرة بمن أنكره مع القراءة به وإثبات أهل اللغة له بالنقل الصحيح.
نعم ما روي من أن عمر رضي الله تعالى عنه سأل قومًا عن شيء فقالوا: نعم فقال عمر: أما النعم فالإبل قولوا: نعم لا أراه صحيحًا لما فيه من المخالفة لأصح الفصيح {فَأَذَّنَ مُؤَذّنٌ} هو على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه صاحب الصور عليه السلام، وقيل: مالك خازن النار.
وقيل: ملك من الملائكة غيرهما يأمره الله تعالى بذلك.
ورواية الإمامية عن الرضا وابن عباس أنه علي كرم الله تعالى وجهه مما لم يثبت من طريق أهل السنة وبعيد عن هذا الإمام أن يكون مؤذنًا وهو إذ ذاك في حظائر القدس {بَيْنَهُمْ} أي الفريقين لا بين القائلين نعم كما قيل، ولا يرد أن الظاهر أن يقال: بينهما لأنه غير متعين {أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} بأن المخففة أو المفسرة، والمراد الإعلام بلعنة الله تعالى لهم زيادة لسرور أصحاب الجنة وحزن أصحاب النار أو ابتداء لعن.
وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة.
والكسائي {أَن لَّعْنَةُ الله} بالتشديد والنصب: وقرأ الأعمش بكسر الهمزة على إرادة القول بالتضمين أو التقدير أو على الحكاية بإذن لأنه في معنى القول فيجري مجراه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

جملة: {ونادى أصحاب الجنّة} يجوز أن تكون معطوفة على جملة {وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا} [الأعراف: 43] إلخ، عطفَ القول على القول، إذْ حكي قولهم المنبيءُ عن بهجتهم بما هم فيه من النّعيم، ثمّ حكي ما يقولونه لأهل النّار حينما يشاهدونهم.
ويجوز أن تكون معطوفة على جملة {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها} [الأعراف: 43] عطف القصّة على القصّة بمناسبة الانتقال من ذكر نداء من قبل الله إلى ذكر مناداة أهل الآخرة بعضِهم بعضًا، فعلى الوجهين يكون التعبير عنهم بأصحاب الجنّة دون ضميرهم توطئة لذكر نداء أصحاب الأعراف ونداء أصحاب النّار، ليعبَّر عن كلّ فريق بعنوانه وليكون منه محسن الطباق في مقابلته بقوله: {أصحاب النار}.
وهذا النّداء خطاب من أصحاب الجنّة، عبّر عنه بالنّداء كناية عن بلوغه إلى أسماع أصحاب النّار من مسافة سحيقة البُعد، فإن سعة الجنّة وسعة النّار تقتضيان ذلك لاسيما قوله: {وبينهما حجاب} [الأعراف: 46]، ووسيلة بلوغ هذا الخطاب من الجنّة إلى أصحاب النّار وسيلة عجيبة غير متعارفة.